فضاء حر

الزنداني وخطر النجومية المتهالكة..

 

لا يمكن للزنداني أن يهدأ، ولا يبدو أنه سيفعل، هو لا يجد نفسه إلا عبر هذا الصخب والضجيج الذي يفتعله، يظهر دائماً كعدو لكل ما حوله، وللحياة نفسها، يخشى أن يتمكن الناس من الحياة بدون الحاجة إليه، مع أنهم يفعلون ذلك، لكنه يعتقد أن لديه القدرة على التمكن من التوغل في تفاصيل حياة كل فرد، هل يعرف الزنداني وأشباهه أنهم أعداء للحياة؟!.

تناقلت بعض وسائل الإعلام مؤخراً خبراً عن فعالية اقامها الزنداني لإطلاق كتاب صادر عن جامعة الإيمان باسم "فخ الدولة المدنية وعلمنة اليمن"، وبترك اسم الكتاب جانباً؛ فإن ما تناقلته تلك الوسائل عن حديث الزنداني في الفعالية حمل الكثير من الاتهامات والتحريض ضد كل من لا يروقه، بدءاً بوزيري حقوق الإنسان والشؤون القانونية، مروراً بالناشطين المدنيين ومن أسماهم بـ" عملاء الغرب" والمشاركين في "تنفيذ مؤامرة لعلمنة اليمن ومخالفة أحكام الشريعة الإسلامية"، وانتهاءً بما أسماه "تيار مخالف للاتجاه العام لحزبه "التجمع اليمني للإصلاح" .

لو أنَّنا في بلد يحترم الإنسان وكرامته لكان الزنداني وإخوانه في العداء للحياة آخر من يتكلم، وحينما يتكلمون سيجدون ألف طريقة لتغليف ما مطامعهم وعدائهم للحياة بما يجعل لكلامهم معانٍ أخرى، ساعتها لن يكونوا خطراً على أحد، لأنَّهم لو نطقوا مثلاً برغبتهم في نكاح الصغيرات والقاصرات لوجدوا أنفسهم أمام ازدراء مجتمعي يجبرهم على التواري والاختفاء، ولو أن أحدهم تجرأ وتحدث عن رغبته في الزواج بطفلة لم تتعدَ السابعة من عمرها باعتبارها ثمرة في أول تفتحها لزجَّ به في مركز للتأهيل النفسي على الأقل، بالمثل عندما تستهدف مجموعة من الأدعياء مجمل حياة الناس وأنشطتهم، وتذهب إلى تقييد حريتهم، ستجد نفسها محاصرة ومنفية.

لكن ما يحدث في بلد كاليمن أن هؤلاء يجدون لهم قداسة تورطهم أكثر في العداء للحياة والحرية والإنسانية، يضعون شروطهم للتحكم بكل شيء، يمكنهم أن يقودوا مظاهرات ضخمة للدفاع عن حقهم في انتهاك حرمة الطفولة والزواج بالصغيرات، ولا يتورعون عن اشتراط الإشراف على الحوار الوطني باعتبارهم مرجعية ينبغي للناس جميعاً أن يذعنوا لها.

بحسب ما تناقلته وسائل الإعلام التي وصفت فعالية الزنداني الأخيرة بأنها كانت "على نطاق محدود"؛ فالرجل تحدث عن مصطلح "الدولة المدنية الحديثة" باعتباره فخٌ يستخدمه "العلمانيون العرب" كمصطلح بديل لمصطلح "الدولة العلمانية"، و"يروجون لمصطلح الدولة المدنية في سياقات تضليلية ويمارسون العديد من أشكال المغالطة والخداع لجرجرة المجتمع اليمني إلى الوقوع في فخ الدولة العلمانية التي لا تخضع لمرجعية الدين الإسلامي أو أي دين".

الزنداني طالب –بحسب تلك الوسائل الإعلامية- بـ"إعادة المعاهد العلمية إلى ما كانت عليه أو اعتماد منهجها الدراسي في المدارس اليمنية، و هدّد " بتشكيل ما أسماها "لجنة متابعة غير حكومية" تتولى مهمة متابعة التزام الجهات الحكومية بعدم السعي لسن أي تشريع من شأنه ان يخالف الشريعة الإسلامية"، وأخرى "هيئة نسائية يمنية غير حكومية" لتولي مهمة التصدي لعملية علمنة قضايا المرأة اليمنية، إذن فالرجل يرى نفسه في كلِّ شيء، وحاضراً في كلِّ تفاصيل حياتنا.

هل يشبه الزنداني نجمة تلفزيونية فشلت على الصعيد الفني، فلجأت لابتكار طرق وأساليب تمنحها الوجود والحياة في أذهان الناس؟.. من حق الزنداني أن يفعل ذلك، طالما وكل اكتشافاته لأدوية تقضي على الإيدز والسكري والسرطان وأخيراً الفقر فشلت في صناعته كنجم حقيقي كما فعلت من قبل الحبة السوداء و"الإعجاز العلمي"، وأيضاً الجهاد في أفغانستان، وفتاوى الحرب على اليمن شمالها وجنوبها؛ فمن حقه بالتأكيد البحث عن طرق جديدة للشهرة، والعودة إلى منابر المجد، لكن عليه الانتباه إلى أن الجمهور لم يعد نفس الجمهور، كما أن المساحات التي يبحث فيها عن تسويق نفسه لم تعد واسعة أو كافية، بل إنها ستضيق مع الوقت، فالحبة السوداء تراجعت في الأسواق وخفت بريقها، و"الإعجاز العلمي" لم يعد مبهراً أو قادراً على فتح الآفاق، والتسلل إلى الأذهان، مثل ذلك أصبحت أفغانستان لعنة المنطقة كلها، والجهاد ضد الأمريكان لم يجلب أمراء حروب من كل مكان كما فعل الجهاد ضد الروس.

أما فتاوى الحرب ضد الجنوب، واستحلال دماء الاشتراكيين فكما يرى الزنداني أنها تحولت مع الوقت إلى جزء من مشكلة لن يكون حلها بفتوى جديدة، وستبقى الفتاوى السابقة حدثاً تاريخياً يستوجب العدالة للضحايا والمطالبين بالإنصاف، إضافة إلى أن الاكتشافات الدوائية خلفت عشرات الضحايا، وأضحت مثار سخرية داخلياُ وخارجياً.

لسنا في بلد يحترم الحياة الإنسانية، وإلا لما كان الزنداني يتحدث عن أدوية للإيدز يعطيها لمرضى يتحولون إلى ضحايا، كما أننا لا نمتلك بعد دولة حقيقية، وإلا ما وجدنا الزنداني يتعامل معنا بمنطق "لا أريكم إلا ما أرى"، لكن بالمقابل لم يدرك الزنداني أنَّ العمر الافتراضي لبضائعه أوشك على الانتهاء، وبدأت بالانحدار في أسواقها، لا ننكر أن الرجل ما زال قادراً على التأثير وصناعة المشكلات وتعقيد الحياة، لكن توزع القوى على أكثر من طرف، وشكوى الزنداني ذاتها من وجود تيار مخالف لتوجهه في تجمع الإصلاح، أو من أشار إليهم حسب ما ورد في الأخبار المنقولة عن تلك الفعالية بـ"أنهم يتتبعون الآراء الشاذة والساقطة ويرفضون الفتوى ويتبنون الحياة المدنية"، كل هذا يعني أنَّ القوة التي استند عليها الرجل في الماضي لم تعد حاضرة، وأن نجوميته أصبحت في خطر، أخشى أنه أيضاً خطرٌ يتهدد الجميع.

الاشتراكي نت

زر الذهاب إلى الأعلى